ولد القاضي المرحوم مَحمد بن زروق بن محمود شبيل في 7 ماي 1914 بطبلبة وتوفي بها في 21 أفريل 2002. بدأ تعليمه بحفظ القرآن وحذق مبادئ القراءة والكتابة بكتّاب "سيدي علي شبيل" لدى المؤدب وامام المسجد الشرقي صالح بن أحمد الصغيّر (1877/1942). وهو حفيد الولي الصالح "سيدي علي شبيل" الذي (كما جاء بكتاب أضواء حول تاريخ طبلبة لصاحبه الأستاذ المرحوم المختار ناصف) يتّصل جدّه الأعلى بالأشراف العلويين الذين استقرّوا باشبيلية من بلاد الأندلس إلى نهاية حكم المسلمين بها سنة 1482 م وانتقلوا إلى المغرب الأقصى بحكم قربها (من اسبانيا) فرار من ظلم الاسبان وجورهم. ثمّ انتقل إلى تونس لما كان يبلغه عن كرم أهلها وخصب تربتها وذلك خلال القرن الخامس عشر واستقرّ بطبلبة. ومن طبعه كان ميالا للعلم وأهله محبّا للقرآن الكريم فكوّن زاويته المعروفة الآن باسمه وخصّصها لتعليم القرآن وتلقين مبادئ الدين الحنيف وأوقف عليها ممتلكات من رزقه الخاص كما شجّع الطلبة والمؤدبين براتب يتقاضونه شهريا... ومن ذريته تكوّنت منطقة الشبيليات وإليه وإلى مجاوره سيدي عيّاش يرجع الفضل في نقلة البلدة إلى مكانها الحالي الذي كان فيما مضى أجنّة وبساتين تزرع فيها أنواع الخضر والغلال".
وإثر انتهاء المرحلة الابتدائية بعد أربعة سنوات من الدراسة والتعلّم تحصّل القاضي المرحوم مَحمد بن زروق شبيل على الأهلية وهي أولى الشهادات التي كان يمنحها جامع الزيتونة بعد اجتياز الطلبة لامتحاناتها التي تتم في الفروع الزيتونية داخل البلاد وفي العاصمة وتعلن نتائجا على أعمدة الصحف الوطنية. وقد خوّلت له هذه الشهادة الالتحاق بجامع الزيتونة المعمور حيث تحصّل على شهادة التحصيل في العلوم وهي شهادة كان يحصل عليها طلبة التعليم الزيتوني في نهاية المرحلة الثانوية أي بعد أربع سنوات من حصولهم على أولى الشواهد الزيتونية المسماة بالأهلية. ثمّ نال شهادة العالمية (أو التطويع كما كانت تسمى قبل سنة 1933) وهي أعلى شهادة علمية كان يمنحها جامع الزيتونة بتونس والتي يقابلها شهادة ختم دروس التعليم العالي. ممّا خوّله لتولي وظائف القضاء.
التحق القاضي المرحوم مَحمد بن زروق شبيل بسلك القضاة في أربعينات القرن العشرين أو "الحكام" حسب التسمية المتداولة خلال أربعينات وخمسينات القرن الماضي. وقد خيّر القضاء بعد أن اقترحوا عليه خلال أربعينات القرن العشرين خطة "قايد" بجهة السواسي ب"قيادة السواسي" إلاّ أنّه رفض وخيّر أن يكون من رجال القضاء لأنّه كان يعتقد أنّه خلق إلّاّ ليحكم بين النّاس بالعدل والانصاف.
وقد تنقل القاضي المرحوم مَحمد بن زروق شبيل خلال فترة عمله بين الولايات توافقا مع كل تغيير في الحركة القضائية، فعمل بمحاكم الكاف والقيروان وقابس والمهدية وقفصة كرئيس للمحكمة الابتدائية وصفاقس بعد تسميته بمقتضى أمر عدد 280 لسنة 1967 مؤرخ في 21 أوت 1967 مستشارا بمحكمة الاستئناف بها. ثمّ رئيس أوّل لمحكمة الاستئناف بنفس المدينة إلى سنة 1975، وسوسة حتّى سنة 1980 والكاف من جديد إلى سنة 1982.
لقد كان القاضي المرحوم مَحمد بن زروق شبيل طوال حياته حازما في كلّ شيء ونزيها في عمله ومحبوبا من قبل الجميع. كان صارما في تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة، وكان على قدر كبير من التواضع حيث كان يجلس بمقهى حبيب ابراهم بالسفرة صحبة جمع من أصدقائه، كما كان يجلس بدكان الشيخ حسن بن حسين شبيل عمدة حومة السوق خلال العطل الصيفية.
وبعد أن أحيل القاضي المرحوم مَحمد بن زروق شبيل على التقاعد في أوائل الثمانينات بعد التمديد له في فترة الخدمة مدّة، فتح مكتبا للمحاماة بسوسة، كمحام لدى محكمة التعقيب.
والقاضي المرحوم مَحمد بن زروق شبيل هو والد القاضية اشراف بنت محمد شبيل حرم رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد. وقد تخرّجت من المعهد الأعلى للقضاء، وتحصّلت على شهادة الدراسات العليا في العلوم الجنائية، لتحقق بذلك حلم والدها الذي تمنى أن يراها قاضية، وأصبحت مستشارة بمحكمة الاستئناف، ووكيل رئيس المحكمة الابتدائية بتونس. والقاضية من الرتبة الثالثة بمركز الدراسات القانونية والقضائية بتونس.
يقول الصحفي سعيد نويرة في خواطر عن القاضي المرحوم محمد بن زروق شبيل بمجلة "السفرة":" كان رحمه الله صديقا حميما لوالدي المعلّم صالح نويرة رحمه الله وكان اسمه كثيرا ما يتردد على لسانه حتّى رأيته أوّل مرّة في زاوية "سيدي بن عيسى" أمام الجامع الشرقي يتقبل التعازي بمناسبة وفاة والدته رحمها الله... آنذاك عرفت من هو مَحمد بن زروق شبيل، عرفت أيضا أنّ مقامه كان أعلى من شيخ التراب الذي كانت سلطته آنذاك تتراوح بين سلطة رئيس المركز والقاضي إلى أن أدركت فيما بعد أنّه قاض يرأس محكمة وله مستشارون وأمامه محامون يرافعون ومتهمون يرتعدون... كان رحمه الله يعيش حياة في منتهى البساطة يجالس الخاصة والعامة وكان يقوم بنفسه بالتّسوق لاقتناء حاجاته اليومية وكثيرا ما يعود إلى البيت حاملا في يده اليسرى رغيفا من الكسرة أيّام كانت الكسرة خبز الفقراء لا كما هو الحال الآن تباع في المخابز الراقية في الأحياء الراقية... ورغم فارق السنّ نشأت بيني وبينه صداقة قويّة كالتي تنشأ بين الابن ووالده وكنّا نكنّ لبعضنا البعض احتراما وموّدة".
لطفي جمعة (7 جوان 2021)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمّت مراجعة هذه الترجمة بمساعدة ابنه فؤاد شبيل في مقابلة معه بتاريخ 7 جوان 2021
الكاتب : لطفي جمعة