ولد المناضل والمقاوم المرحوم ميلاد بن محمد بن الحاج عزاز في 29 ديسمبر 1932 بطبلبة وتوفي بها في 12 جوان 1987. انخرط بالشبيبة الدستورية منذ أربعينات القرن العشرين، وكان ضمن الخلية الشبه عسكرية التي كوّنها المكتب المحلي للشبيبة الدستورية في صائفة سنة 1947. جاء بكتاب " طبلبة: التقليدية والحداثة في المجتمع العربي": " ... تكوّنت من أفراد الشبيبة الدستورية فرقة شبه عسكرية عرفت بالانضباط واستقامة السلوك وصعوبة التمارين المشابهة للتمارين العسكرية داخل الثكنات والتي كان يشرف عليها محمّد بن امحمد تقية الملقب ب"الغول" وهو ابن المؤدب امحمد تقية ومساعده محمّد منصور وصالح جماعة وعلي الفقيه وهؤلاء كانوا قد انخرطوا في سلك الجندية الفرنسية فحرصوا أن يجعلوا من الخليّة مثلا محتذى في النضال والكفاح ... إنّ التكوين الفعلي للشبيبة الدستورية ذات المنهج العسكري في الخطوة والاستعراضات والخرجات بدأ سنة 1949 حيث كان كلّ منخرط فيها من الشباب يساهم في شراء بدلته إذ كانت تجمع الأموال عند عليّة بن شبيل الفقيه الذي كان يكلّف حسن عمّار لشراء القماش ليدفع به إلى الشاب الخياط خليفة بن فرج الشبعان الذي كلّف بخياطة أزياء موّحدة على مقاس كلّ فرد من الشبيبة...الذين كانوا يؤدون وجوبا القسم كشرط للانضمام إلى الشبيبة الدستورية وصيغة القسم:" أقسم بالله العظيم عليّ أن أعمل بمبادئ الحزب الدستوري التونسي وأن أعمل مدّة حياتي لفائدة وطني وأن أصون ديني حسبي الله ونعم الوكيل". وكان الشيخ محمد بوسمة يشرف على عملية القسم الذي يقسم به الشاب قبل مباشرة نشاطه بالشبيبة الدستورية.
ساهم المناضل والمقاوم المرحوم ميلاد بن محمد عزاز في معركة 23 جانفي 1952 وكان ضمن المجموعة الثالثة من المقاومين الذين تمّ تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات خلال معركة 23 جانفي 1952. وقد تمركزت هذه المجموعة الثالثة أمام "دار عليّة" قرب "سانية المعمر بياس" والتي تتكوّن من شبيل نويرة (حامل مسدس) عثمان بن السوسية الصندل والتيجاني بن عيّاش وأحمد التركي وعامر بيّوض و أحمد مراد وامحمد بن حسن بن إسماعيل نويرة وعياش بن علي ومحمد ابراهم ومحمد بالغيث والبشير شبيل وحسن المديمغ والشقيقان محمد وحسن بالغالي والبشير بن ريانة وميلاد عزاز ومحمود الأحمر..."
وقد كان المناضل والمقاوم المرحوم ميلاد بن محمد عزاز ضمن أهالي البلدة الذين حشدهم جنود المستعمر ممن سنّهم يتراوح بين الخمسة عشرة والثمانين عاما في ساحة قريبة من محطة القطار وقد دامت أيام المحتشد ثلاث أيّام 5 و6 و7 فيفري 1952، حيث أطلق سراح الشيوخ من الفلاّحين وأصحاب الحرف الصغرى عشية اليوم الأوّل وأجبر البقية على البقاء بالمستودعات. وقد لقي من بقي بالمحتشد ألوانا من التعذيب، كما سلّطت عليهم الكلاب المدرّبة على العضّ والنّهش، وخاصة أعضاء الشبيبة الدستورية ومنهم المناضل والمقاوم المرحوم ميلاد بن محمد عزاز حيث أحضره جنود المستعمر بزي الشبيبة الدستورية الرّسمي وألبسوه العلم الوطني ممزقا ومرّوا به بين صفين من الجند قائلين "حيّوا هذا الجندي من جنود بورقيبة" وبعد أن يحيّى بالسلاح تحيّة التّهكم يوسّع ضربا أليما وتنكيلا بشعا.
جاء بجريدة "MISSION" بتاريخ 15 فيفري 1952 تحت عنوان" طبلبة" (الترجمة للأستاذين رمضان بن ريانة وعادل بالكحلة):" ميلاد عزّاز عرف نوعا آخر من التعذيب، فلقد أمره الضابط بحمل البزّة الرسميّة لمنظمة الشبيبة الدستورية ففعل بفخر ثمّ أمره بأن يصيح: "يسقط بورقيبة "بصوت جهوري ودون أقل تردّد صاح "يحيا بورقيبة" وفجأة توّقف الضرب، وشدّ الضابط الإطارات المهشّمة للقادة الدستوريين مقرونة بمزق الأعلام التونسية على بطن الشاب الجري وظهره. ثمّ جال به أمام مواطنيه، ثمّ أنهكه بضربات من أخمص. كان الشاب مغطّى بدمه، يترنّح، ويسقط ثمّ يقوم، وهو يصيح دائما: "يحيا بورقيبة" حتّى الحين الذي فقد فيه الوعي، فحمل إلى المعتقل أو إلى المستشفى فلا أحد يعرف إلى حد الآن. وعذّب كلّ "المشتبه فيهم" الآخرين بالكهرباء وبالغرفة الباردة وعندما يفقد أحدهم الوعي توقظهم أنواع أخرى من التعذيب أكثر تعذيبا. وقد طلب من الجميع بان يصيحوا: "يسقط بورقيبة" ولكن هذه الصيحة لم تخرج من أي فم مهما كان العنف أو التعذيب".
يقول المناضل عبد السلام شبيل في مذكراته "كرّاس الأسرار":"...والشاب الذي وصل إلى حدّ الموت بالتعذيب...هو الشاب ميلاد عزّاز الذي أظهر...قوّة المبدأ الحزبي، عندما أوقفوه أمام الجمهور، وأجبروه على أن يفوه بسقوط رمز الأمّة وبموت تونس، وصاح تحت العذاب بأعلى صوته بحياة رمز الأمّة وحياة تونس، مناديا بسقوط فرنسا وأتباعها. وحمّل الشاب إلى داره بزيه الأبيض ملطخا بالدّماء، حتى أغمي على قلبه من قوّة العذاب، وجرّوه بمحتشد زعرورة حتّى كاد في ذلك اليوم ينكر أهله..."
وقد أعتقل المناضل والمقاوم المرحوم ميلاد بن محمد عزاز بثكنة سوسة بعدها أودعوه محتشد "زعرور" الذي يقع قرب منزل بورقيبة (فيري فيل سابقا) بجهة بنزرت الذي هو في الأصل ثكنة عسكرية يتكون من مباني أسمنتية مسيجة من أسلاك حديدية مكهربـة وقد ضم مئات المبعدين الوطنيين خلال الخمسينيات.
هذا وقد تحصّل المناضل والمقاوم المرحوم ميلاد بن محمد عزاز على الصنف الرابع من وسام الاستقلال جزاء لجليل أعماله من اجل تحرير الوطن واسترجاع عزته وكرامته بتاريخ 20 مارس 1976
لطفي جمعة (14 جوان 2021)
الكاتب : لطفي جمعة