ولد المربي الشيخ الإمام الخطيب الهاشمي بن الطاهر بن علي بن الحاج امحمد بن تقية ويعرف باسم عز الدين تقية في 01 سبتمبر 1932 بطبلبة. نشأ في أسرة محافظة محبة للعلم تمتهن العدالة. فكان جدّه الأكبر عدل اشهاد وجدّه كذلك، ووالده الطاهر عدل اشهاد، وعمّه محمد بن تقية مشتغل في خدمة مدنية هي "العدالة" وعيّن إماما خطيبا بالجامع العتيق (الجامع الكبير أو الأعظم بطبلبة) بعد وفاة شقيقه خليفة بن تقية العدل وإمام الجامع.
بدأ التعليم بمسقط رأسه ودخل الكتّاب وتعلم القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية على يد عمّه الشيخ الإمام المرحوم محمّد بن علي بن تقية المدّرس بالمدرسة العياشية.
ثمّ التحق بالمكتب "المدرسة العربية/الفرنسية" بطبلبة، حيث تحصّل على الشهادة الابتدائية Certificat D’études Primaires (élémentaires) في دورة 17 ماي 1946.
ثمّ قضّى سنة بالمدرسة الابتدائية القرآنية للذكور "الهداية" بطلب من والده الطاهر بن تقية، والتي فتحت أبوابها لأوّل مرّة في 12 نوفمبر 1946 وقد أحدثوها الأهالي بزاوية "سيدي بن عيسى" بعد أن أدخلوا عليها إصلاحات، ليتعلم أصول علوم القرآن من تجويد وترتيل وتفسير.
ثم انتقل إلى الجامع الأعظم جامع الزيتونة المعمور بتونس فدعي "للقطر" وهو كتاب " قطر النّدى وبل الصّدى" للإمام العلامة جمال الدين بن هشام الأنصاري، يدّرس للترسيم بالسنة الثانية تعليم زيتوني، فتمّ ترسيمه بالسنة الثانية. وتدّرج من سنة إلى أخرى بالجامع الأعظم إلى أن أحرز على شهادة التحصيل في العلوم في الدورة الأولى في جوان 1953 بملاحظة حسن.
كان المربي الشيخ الإمام الخطيب الهاشمي بن الطاهر بن تقية بالتوازي مع دراسته بجامع الزيتونة يُقبل كغيره من طلبة الجامع الأعظم وقتها على الدروس التي كانت تُلقى بالجمعية الخلدونية من علوم عقلية كالفلسفة والتاريخ والجغرافيا، ومن علوم صحيحة وتجريبيّة كالرّياضيات والفيزياء والكيمياء، وقد كان من وَلع الشيخ الهاشمي بن الطاهر بن تقية بهذه الدّروس أنه لا يترك أيّ درس يفوته ولا يقتصر على بعضها دون الآخر. ومن أساتذته الذين درس عنهم محمد السّويسي مؤلف أوّل الكتب الدّراسية الرّياضية بالّلغة العربية ككتاب أصول الجبر سنة 1947، وكتاب خلاصة الحساب سنة 1948، وكتاب بغية الطّلاب في فقه الحساب سنة 1950، وكانت هذه الكتب موّجهة إلى طلبة جامع الزّيتونة.
كان المربي الشيخ الإمام الخطيب الهاشمي بن الطاهر بن تقية شغوفا بالمطالعة مولعا بها فكان ملازما بالمكتبة الخلدونية طيلة دراسته بتونس العاصمة يتردد عليها باستمرار يطالع ما فيها من أمهات الكتب والمراجع الأدبية والعلمية والدينية باللغتين العربية والفرنسية، حيث استقرّت في أوّل عهدها في قاعة من قاعات المدرسة العصفورية منذ سنة 1900، ثم تحوّلت في أفريل 1927 إلى قاعة المحاضرات الكبرى المجاورة للمدرسة. وقد خصّص قسم منها للكتب التّونسية وقسم آخر للدّوريات.
إنّ حصول المربي الشيخ الإمام الخطيب الهاشمي بن الطاهر بن تقية على شهادة التحصيل من جامع الزيتونة كان بمثابة جواز المرور للالتحاق بسلك التربية والتعليم فعمل بالمدرسة الابتدائية بسبيبة ، ثمّ بالمدرسة الابتدائية بتالة من ولاية القصرين، وانتقل إلى المدرسة الابتدائية نهج الحبيب بورقيبة ببنزرت والمدرسة الابتدائية بسيدي بنور والمدرسة الابتدائية التطبيقية نهج المغرب بتونس العاصمة تابعة لمدرسة ترشيح المعلمين، وفي سنة 1968 بعد قرابة خمسة عشرة سنة عمل فيها خارج طبلبة، عيّن مديرا بصفة نهائية بالمدرسة الابتدائية " السكرين" بطبلبة ابتداء من 25 سبتمبر 1968. والتي تأسست في 16 أكتوبر 1966 وتحتوي حينها على 4 قاعات بقطعة أرض تمسح أكثر من 7 مراجع، تمّ استغلالها لتدريب التلاميذ على كيفية زراعة الأرض بتأطير من المعلمين رمضان الصفاقسي وعلي العابد مع تركيز عدد من البيوت المكيّفة واستغلال ثمن المحصول بعد بيعه لتحسين البنية التحتية للمدرسة. وقد كانت مدرسة السكرين تشارك بمعرض الباكورات الذي كان يقام سنويا منذ سنة 1978 بمنتوج الفلفل والبطاطا وبعض الخضروات مع مدرسة شارع بورقيبة ومدرسة الهداية وكان الجناح المخصص للمدارس الثلاث يفوز بجائزة مشتركة مهداة من ديوان "نبهانة".
وقد ساهم المربي الشيخ الإمام الخطيب الهاشمي بن الطاهر بن تقية في فترة إدارته لمدرسة السكرين في تركيز ورشة للنجارة واحداث نواة لمكتبة مدرسية كان يثريها من حين لآخر بالكتب والمجلات للأطفال.
وقد بقي المربي الشيخ الإمام الخطيب الهاشمي بن الطاهر بن تقية يضطلع بمسؤولية إدارة المدرسة الابتدائية بالسكرين طيلة 20 سنة إلى حين إحالته على شرف المهنة في غرة نوفمبر 1988.
ساهم المربي الشيخ الإمام الخطيب الهاشمي بن الطاهر بن تقية في أحداث الحركة الوطنية لمّا كان يدّرس بجامع الزيتونة من خلال التحريض على المظاهرات وإثارة الشغب ممّا أدّى إلى اعتقاله من طرف السلطات الاستعمارية.
عين المربي الشيخ الإمام الخطيب الهاشمي بن الطاهر بن تقية اماما خطيبا بجامع "العيثة" رسميا في 1 ماي 1996 على اثر وفاة امام الجامع امحمد بلقاسم. وقد ساهم في توسعة جامع "العيثة" وبناء الكتاب كما كان حريصا على توفير الكتب للأطفال رواد الكتّاب.
وقد تقلّد المربي الشيخ الإمام الخطيب الهاشمي بن الطاهر بن تقية بمقتضى قرار مؤرخ في 17 سبتمبر 1985 وسام الشغل من الصنف البرنزي في 20 نوفمبر 1985.
كتبت الأستاذة الدكتورة منى تقية في تدوينة لها تعليقا على حلقة برنامج حنين لراديو طبلبة بتاريخ 12 جوان 2021:" كان عمي الهاشمي بن الطاهر بن علي تقية مولعا بالمطالعة وبتجميع الكتب والمراجع وقد حبّبني في المطالعة منذ الصغر، كما ساعدني في مراحل دراستي وخاصة أثناء اعدادي لأطروحة دكتوراه في القانون الجزائي من ناحية التشريع الإسلامي.
وأتذكر أنه حينما كنت بالسنة الأولى ابتدائي بمدرسة السكرين حينما كان يديرها، يشجع التلاميذ على أن تكون لكل تلميذ حديقة صغيرة يعتني بها.
لقد كانت خطبة الجمعة التي يلقيها كإمام تربط بين ما هو نظري وما هو واقعي ويستعد لها طوال الأسبوع بالرجوع الى أمهات المراجع وكنت شاهدة على ذلك، لقد كان عمي مربيا وإماما متفانيا. لقد كانت له طريقة بيداغوجية في التدريس تتماشى والمناهج الحديثة حيث تعتمد المناقشة والحوار انطلاقا من وضعية ما أو صورة ثمّ يقوم بإدارة حوار شفوي حتّى يصل التلاميذ إلى تحرير نص أو قصّة أو مسرحية وكثيرا ما يحثهم على الابداع والابتكار، كما كان يرغّبنا في المطالعة ويحفّزنا عليها. لقد كانت له وما زالت مكتبة ثرية ومتنوّعة، وكان مغرما بالاستماع إلى الغناء وخاصّة الاستماع إلى الفنانة أم كلثوم".
لطفي جمعة (3 جوان 2022)
المرجع: برنامج "حنين" راديو طبلبة بتاريخ 12 جوان2021
الكاتب : لطفي جمعة