ولد امحمّد بن عبد القادر بديرة شهر " القندوز" في 23 جانفي 1903 بطبلبة وتوفي بالمدينة المنوّرة على إثر قيامه بفريضة الحج في جانفي 1973. يعرفه جلّ من تجاوز الخمسين من العمر، هو أحد "حجّامة" القرية إلى سبعينات القرن العشرين أمثال المناضل الهادي نويرة قبل تعيينه بشركة النقل بالساحل بعد الاستقلال، والطيب كريم وعلي بن سالم بن ريانة ومحمد المديمغ وأحمد بلال ومحمد نويرة والهادي بالفقيه ورمضان بن سوسية الصندل ومحمد بن فضل. وللحجّام أو الحلاّق أدوار أخرى منها دور تطبيبي ك"الحِجامة" ودور ديني أو تقليد ثقافي كالختان فعادة ما يكون "طهّارا" (خاتنا). وقد كانت حوانيت "الحَجّامة" إلى بداية النصف الثاني من القرن العشرين كائنة قرب الحمّام و"الرّحبة" وقرب المقاهي ولم تكن فضاءا للحلاقة فحسب بل كانت أيضا لتبادل أخبار البلدة والبلاد خاصّة وأنّها من الأماكن القليلة التي بها أجهزة "راديو" وكان "الحجّام وسيلة لتقصي أخبار البلاد والعباد والتنسيق بين المناضلين داخل البلدة وخارجها. وقد كان حانوت امحمّد بن عبد القادر بديرة "القندوز" قرب قهوة " صالح زنيخة" وفندق الحيوانات. كان رحمه الله أنيقا يولي لباسه عناية فائقة وله شاربان معقوفان كبيران يزيدانه وقارا وهيبة. كان مولعا بالعطور وكان يهوى تربية العصافير وتعليق اللوحات الزيتية على جدران المحلّ معوّل في ذلك على حسّه الفنّي الرّفيع، وله جهاز "راديو" قديم يتحلّق حوله أصدقاؤه في دكّانه بالرّحبة لسماع ما يروّج من أخبار أو يستمتعون ببعض الأغاني الطربية العتيقة التي يصل صداها حتّى "السّفرة"، وإلى جانب ذلك كان إنسانيّا طيّب القلب، رقيقا سرعان ما يتأثر.
كان المرحوم امحمّد بن عبد القادر بديرة "القندوز" شخصية طريفة فريدة، يروى عنه أنّه إذا أتاه أحدهم ليرافقه لأداء مهمّة ختان أو "حِجامة" يأبى إلاّ أن يجلس في المقعد الأمامي للسيّارة ويأبى بعد ذلك الشروع في الختان إلاّ بعد أن تقدّم إليه "صينية قلاية" وإلاّ فإنّه يلتمس الأعذار ليغادر المكان في الحال حتّى لا ينجز ما جاء لأجله.
ومن طرائفه أنّ أحد الأطفال وكان قد تجاوز العاشرة من عمره كان يهمّ بختانه في زاوية "سيدي القضلين" فهرب الطفل ولحق به بعض أهله وأحضروه... فانفجر معزرا " طهّروا أولادكم صغارا" ثمّ هدأ من روعه وواصل مهمّته. وكان إذا مرّ أحد من الصّغار أو الكبار أمام دكّانه في "الرّحبة" يقول " ذاك ولدي" لاعتبار أنّه هو الذي ختنه. واتفق أن جاءه بعض اليهود المقيمين بالمكنين خلال النصف الأوّل من القرن العشرين لختان ثلّة من أبنائهم وكانوا يفعلون ذلك في يوم معلوم في الصّيف بضاحيّة السّكرين يجمّعون أطفالهم ويقومون بختانهم زمرة واحدة وقد صادف أن تغيّب طهّارهم اليهوديّ لعلّة أصابته فاستنجدوا ب"القندوز" فلبّى الطلب ولكنّه تعب تعبا شديدا وزاد في تعبه أنّه قام بختان طفل تجاوز الرّابعة عشرة من عمره ولمّا رجع إلى البيت كان يصيح " يا " كنتي"... يدي تهرّات ...طفل جغّالي... قتلني..."
وفي النصف الثاني من القرن العشرين عزم المرحوم امحمّد بن عبد القادر بديرة "القندوز" على الحجّ في موسم 1972 ودفع "التسبقة" بمعتمدية المكنين آنذاك فرأى في المنام أمّه تبشّره بالموت في الحج فأفاق مذعورا وهمّ بالذّهاب إلى المعتمدية ليسحب "التسبقة" لكنّ بعض أصدقائه ثنوه عن هذا الصّنيع وقالوا إنّما هي أضغاث أحلام من تأليف الشيطان ليضلّك عمّا في الحجّ من ثواب فعدّل عن رأيه وقصد الحجاز للقيام بفريضته وقد كان لا يلقى طفلا صغيرا أو شابّا من أبناء البلدة إلاّ واحتضنه وضمّه إليه ضمّا شديدا باكيا كأنّه كان يعلم ما سيحدث له، وقصد بيت الله الحرام وبعد أداء مناسك الحج توفي بالمدينة المنوّرة في جانفي سنة 1973 رحمه الله رحمة واسعة.
لطفي جمعة (17 جويلية 2022)
المرجع: الأستاذ محمد عبد الفتاح- مجلة "السّفرة" العدد1 جانفي 2012
الكاتب : لطفي جمعة