ولدت المهندسة المعمارية والأستاذة الجامعية هالة بوسمّة يوم 25 أوت 1962 في القصرين لمّا كان والدها يعمل في خطة معتمد بمركز ولاية، وتوفيت بتونس في 2 نوفمبر 2018. والدها الأستاذ الطاهر بن عبد القادر بن الطاهر بوسمة الذي تقلّد العديد من المسؤوليات بالدولة كمعتمد مدّة 10 سنوات ووال لمدّة 10 سنوات بكل من ولاية الكاف ولاية قفصة التي كانت تغطى ولاية توزر وولاية سيدي بوزيد بعد ثم بولاية القيروان التي بقي بها 6 سنوات قبل ان يتولى بعدهاالادارة العامة للشؤون الجهوية بوزارة الداخلية (والي الولاة) إلى سنة 1980، وأخيرا تم انتخابه
بمجلس الأمة عن ولاية المنستير.
تحصلت المهندسة المرحومة هالة بوسمّة على الشهادة الابتدائية "السيزيام" في جوان سنة 1973، وعلى شهادة البكالوريا علوم رياضيات من المعهد الثانوي العمران بتونس في جوان سنة 1980. ثمّ زاولت تعليمها الجامعي بالمعهد التكنولوجي للفنون والهندسة المعمارية والتعمير بتونس حيث تحصّلت على ديبلوم مهندس معماري في جوان 1989، وشهادة الدراسات المتخصصة في التخطيط العمراني في جوان 1995.
أتمّت بعد ذلك عدّة دورات تدريبية إضافية على غرار سلامة المباني من الحرائق في أكتوبر 2009، وتقييم الأثر البيئي في إطار المشاريع العمرانية في نوفمبر 2009. كما تحصّلت على شهادة على اثر التدرّب على التّحكم في الطاقة في المباني وتطبيق اللوائح الحرارية للمباني الجديدة من طرف الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة.
وقد التحقت المرحومة هالة بوسمّة بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية في باريس لافيليت La Villette بفرنسا من 2014 إلى 2016 حيث تحصّلت على شهادة في التخصص والدراسات المعمّقة، الهندسة المعمارية والمشروع الحضري بعد أن اختارت لأطروحتها عنوان " المدن الجديدة في تونس".
وفي سنة 1989 التحقت المرحومة هالة بوسمّة بوكالة الهندسة المعمارية بغرونوبل Grenoble بفرنسا، وبوكالةA.U لعثمان بن غانم وإبراهيم طقطق بتونس لتعمل كمهندسة معمارية. وبعدها أنشأت سنة 1990 مكتبها للدراسات المعمارية الخاص بها " بوسمّة هالة" في فضاء تونس حي الخضراء.
انخرطت المرحومة هالة بوسمّة في سلك التعليم العالي فدرّست بشكل أساسي ورشة السنة الرابعة في المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية والتعمير بتونس من سنة 1999 إلى سنة 2014 وكذلك خلال السنة الجامعية 2017-2018 حيث قامت بتدريس برامج مختلفة مثل منهجية المشاريع والتحكم فيها. ونظّمت خلال نفس السنة الجامعية ورشة عمل للسنة الثالثة في المدرسة العليا للهندسة السمعية البصريّة والتصميم وكذلك ورشة عمل للسنة الرابعة في جامعة ابن خلدون. كما أشرفت على العديد من أطروحات نهاية الدراسات في الهندسة المعمارية وتولّت الإشراف على ورشات عمل متعددة. وترأست عدّة مرّات هيئة تقييم أطروحات ختم الدّروس في الهندسة المعمارية بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية والتعمير بتونس.
وقد كانت المرحومة هالة بوسمّة على النطاق الدولي "أستاذا زائرا" من شهر جانفي إلى شهر جوان 2001 بالجامعة التقنية للهندسة المعمارية في فيينا بالنمسا Technical Universitat WIEN. كما قامت في جويلية/أوت 2006 بتأطير ورشة عمل صيفية لطلاب الهندسة المعمارية Co Arc في نيقوسيا في قربص Nicosie a Chypre وشاركت في العديد من المؤتمرات والندوات والمعارض الوطنية والدولية وألقت محاضرات في المحافل الدولية.
لقد تميّزت المرحومة هالة بوسمّة بمؤهلاتها المهنية العالية وباكتسابها لعديد المهارات في الهندسة المعمارية، من الخبرة إلى صياغة المشاريع وتحديدها وإعدادها وتقييمها والاشراف عليها، بما في ذلك تقديم الخدمات المعمارية الكاملة، كما قامت بدراسات وأبحاث في المجال الحضري والبيئي. وأشرفت على تنسيق وإدارة العديد من المشاريع بالإضافة إلى ترميم المعالم التراثية وتثمينها. فقد قامت بتدقيق حراري على جميع المخططات (un audit thermique sur plan) وذلك للامتثال للمعايير البيئية. وكانت تهتم بشكل خاص بتأثير أعمال البناء على البيئة وبالتالي كانت تعمل كمدقّق حراري (auditeur thermique) مع الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة.
ولم تنحصر أنشطة المرحومة هالة بوسمّة في مجال التخطيط العمراني والتنمية العمرانية في إنشاء مخططات عمرانية وحضرية فحسب بل أيضا في مجال التنمية السياحية والصناعية والعقارية والاجتماعية والثقافية والرياضية بالإضافة إلى البنية التحتية وتصوّر الشبكات وتصميمها.
وقد أنجزت المرحومة هالة بوسمّة في مجال المعمار من سنة 1989 حتّى وفاتها العديد من المشاريع في الهندسة المعمارية والتخطيط العمراني في جميع أنحاء تونس وفي جميع القطاعات: جامعات، مطاعم جامعية، معاهد ثانوية، مدارس، مكاتب بريد، حدائق ترفيهية، فنادق... وضمنّت هذه المشاريع في وثيقة أطلقت عليها اسم "بورتو فوليو هالة بوسامة مهندسة معمارية".
ومن بين المشاريع روضة الشهداء بطبلبة التي قامت المرحومة هالة بوسمّة برسم مخططها المعماري يقول والدها الأستاذ الطاهر بوسمّة بموقع "الجرأة نيوز" الالكتروني بتاريخ 23 جانفي 2020:"... كان من حظي ان ذلك المقام (روضة الشهداء) الذي آذنت بلدية طبلبة بإقامته أن كان من رسم وتخطيط ابنتي المرحومة هالة استاذة الهندسة المعمارية، والتي اترحم عليها راجيًا من الله ان يعد عملها ذلك في حسناتها ويحشرها مع هؤلاء الشهداء والأبرار في جنات النعيم..."
وقد شاركت المرحومة هالة بوسمّة أيضا في العديد من المسابقات المعمارية الوطنية والدولية وفازت بالعديد من الجوائز: ففي سنة 2013 تمّ اختيار مشروعها لبناء المركز الوطني للتعليم المستمر وإعادة تأهيل مديري الطفولة بالحمامات "المشروع الفائز" وفي سنة 2012 فاز مشروعها "المعهد الثانوي بضفاف البحيرة 2 بتونس" بالجائزة الثالثة. كما تمّ تصنيف المشاريع الأخرى على أنّها " مشاريع نموذجية" مثل " مختبر النظافة الوطني" أو " المركز الدولي لاستقبال الشباب في برج السدرية". كما شاركت سنة 2016 في المسابقة الدولية المعمارية بمشروع "بناء الجناح الثاني لدار تونس بالمدينة الدولية بباريس" " جناح الحبيب بورقيبة" بالتعاون مع مجموعة مكونة من Dtetmar Feichtinger Architects من منتروبيل Montreuil مجموعة رائد الصخيري المعماريون بتونس، نزيهة مستاوي Novorest Aliernative Arc-C Inex AE Bretagne وكانت المرحومة هالة بوسمة المهندسة الرئيسية في هذه المجموعة التي احتلت المرتبة الثالثة.
وقد كانت المرحومة هالة بوسمّة عضوا في عمادة المهندسين المعماريين التونسيين منذ سنة 1989 وفي مجلسها من سنة 1998 إلى سنة 2000 وعضوا في الاتحاد المتوسطي للمهندسين المعماريين.
كتب الصحفي أبو زياد "بالصريح Online" الالكترونية بعنوان " نقشة: بنت الطاهر بوسمة في موسوعة النساء التونسيات" بتاريخ3 سبتمبر2021:" فاجأني صديقي العزيز الأستاذ الطاهر بوسمة صباح اليوم بهدية ثمينة …وذات معنى أسعدتني في زمن لم يعد ما يسعدني فيه الا ما يتصل بالروح والفكر والجمال …لقد أهداني” موسوعة النساء التونسيات” التي أصدرتها وأشرفت عليها مؤسسة ” الكريديف ” وضمت في مجلد ضخم وفخم وجميل سيرة مائة امرأة وامرأة …
إنها موسوعة تاريخية تلخص بذكاء وحصافة تاريخ المرأة التونسية وجهودها …وأعمالها …وجهادها …ودورها العظيم الخالد في بناء تونس على مر الأزمان والأجيال …انك عندما تضع هذه الموسوعة بين يديك تزداد اقتناعا بأن المرأة التونسية ليست امرأة عادية فهي استثناء …واذا كانت البلدان برجالها فان تونس برجالها ولكن بنسائها أيضا …اذن هي موسوعة يجوز لكل واحد منا – ذكر او انثى – ان يقول عنها : ” هذا كتاب حياتي ” …وهو كتاب قال عنه الأستاذ مبروك المناعي الذي اشرف على الموسوعة وقدم لها :”….هذا كتابهن جميعا : جداتنا وامهاتنا وعماتنا وخالاتنا وجراتنا ومعلماتنا وسيداتنا …اللواتي انجبن شعبا …جميع النساء اللائي ينسى كثير من الرجال انهم منهن …واللائي لو تذكر هؤلاء انهن امهاتهن لكانوا بالمرأة ابرارا ولها نصراء ولتبنوا تطلعها التاريخي الى ان تكون للرجل ندا ونظيرا …” وقد وجدت في الموسوعة ما أعاد الى ذهني صورة تلك الشابة الفاضلة هالة بوسمة التي اختطفها الموت ذات فجر اختطاف النور من النهار فخسرتها تونس قبل ان يخسرها والدها العزيز الطاهر بوسمة ووالدتها الرائعة التي تحاول أن تتحلى بالصبر على فراق ” كبدتها ” … ان الموسوعة لخصت مسيرة وسيرة المرحومة هالة بأسلوب المختصر المفيد فسجلت رحلتها الموفقة في الحياة من الدراسة الى التدريس …ومن الاجتهاد الى الابتكار فهي مهندسة معمارية بارعة نجحت في عملها وطنيا وعالميا فكانت بحق امرأة استثنائية تستحق الاحترام والتخليد .. رحم الله هالة التي شرفت أسرة بوسمة وتفوقت على الزمان والموت بدليل انها دخلت تاريخ تونس من بوابة هذه الموسوعة التي ستبقى حية على مر الاجيال … ان كل الكائنات الجميلة عمرها قصير وتكون كاللحظات …كالومضات …كالكلمات …وهالة كانت ومضة …والربيع ومضة …وغمضة "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لطفي جمعة (07 سبتمبر 2021)
المرجع: سميرة العشي (السميطي) " موسوعة النساء التونسيات مائة امرأة وامرأة": مركز البحوث والدراسات والتوثيق حول المرأة (الكريديف)
الكاتب : لطفي جمعة