ولد المربي المرحوم عبد الرزاق بن محمد بن فرج البدوي في 7 أفريل 1937 بطبلبة وتوفي بها في 9 ديسمبر 2021. حفظ القرآن الكريم وتعلّمه بكتّاب "سيدي عياش"، وزاول تعليمه الابتدائي بالمدرسة الابتدائية القرآنية للذكور "الهداية" بزاوية "سيدي بن عيسى" التي بعثت أواخر سنة 1946 وشيّدت بفضل جهد الخيرين من آهالي طبلبة. وبعد تحصّله على الشهادة الابتدائية سنة 1951 ونجاحه في امتحان الالتحاق بالمدارس الثانوية، تمّ توجيهه إلى المدرسة الاعدادية بالمكنين. وفي سنة 1952 رفت من المدرسة الإعدادية بالمكنين لما قام به خارج المدرسة من شغب ولتحريضه على المظاهرات. ثمّ رجع للدراسة بالمدرسة الثانوية بسوسة. ثمّ التحق بجامع الزيتونة المعمور حيث أحرز على شهادة التحصيل في العلوم. وبعد مباشرته التدريس تحصّل على شهادة الكفاءة البيداغوجية.
قبل انخراط المربي المرحوم عبد الرزاق بن محمد بن فرج البدوي في سلك التربية والتعليم، عمل مع المرحوم محمود الشبعان لمّا كان يشرف على التعاضدية التونسية للتعليم العصري ومدير عام لها والتي تأسست سنة 1954. وكانت مما تقوم به دور الموزع للأدوات المدرسية كالمطابع والحبر والورق ومذكرات التعليم التلقائي ومكتبة العمل، وأنتجت ووزعت مجلة "الرياض" للأطفال. ثمّ فعيّن معلّما بالمدارس التونسية، فأنتدب بالمدرسة الابتدائية سيدي عساكر بأولاد صالح من معتمدية قصور الساف من ولاية المهدية ما بين 1960-1970. ثمّ نقل إلى المدرسة الابتدائية بالغابات من معتمدية القيروان الشمالية 1970 ثمّ عيّن مرشدا بيداغوجيا 1972-1975 حينما كان علي سليمان متفقدا لدائرة المكنين ومحمود الشبعان متفقدا جهويا بسوسة. ثمّ مديرا بالمدرسة الابتدائية بودريس 1975. وأحيل على التقاعد سنة 1994. وواصل المرحوم المربي عبد الرزاق بن محمد بن فرج البدوي نشاطه التربوي والتعليمي، فبعث مؤسسة تعليمية للأطفال (روضة).
لقد ساهم المربي المرحوم عبد الرزاق بن محمد بن فرج البدوي في عديد البحوث والتجارب البيداغوجية ضمن مشروع المرحوم محمود الشبعان "التجديد التربوي" خلال سبعينات القرن العشرين لمّا كان هذا الأخير متفقدا جهويا ومسؤولا على مكتب البحوث البيداغوجية بوزارة التربية. كما ساهم مع غيره في اعداد المذكرات البيداغوجية خاصة في النصف الثاني من سبعينات القرن العشرين لمّا تقرّر تعريب المرحلة الابتدائيّة تعريبا كامل.
كتب المربي محمد دعيب في تدوينة نشرها تعليقا بالفايس بوك على المقال بتاريخ 9 فيفري 2024:" رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه ...كان لي الشٌرف أنٌني درٌست بمدرسة "بودريس" بمدينة طبلبة أكثر من 15 سنة والمغفور له يشرف على إدارتها، مناخ كلٌه تعاون و وفاق و انسجام، على سبيل الذٌكر كانت تُنظٌم بعد أوقات العمل ورشات بيداغوجيٌة و من بينها حصص لتعريب الرٌياضيات من الفرنسيٌة إلى اللٌغة العربيٌة من خلال تجارب معلٌمي التٌرشيحيٌين بمعيٌة خرٌيجيٌ جامع الزٌيتونة، ممٌا أفضى إلى مذكرات بيداغوجيٌة كانت دليلا لمدرٌسي السٌنوات الخامسة والسٌادسة وذلك تحت إشراف السٌيد المرحوم عبد الرزٌاق البدوي رحمه الله .الذي وفٌر كلٌ الظٌروف الملائمة لإنجاح هذا الإنجاز الهامٌ في ذلك الوقت لعدم توفٌر الوثائق والكتب التٌعليميٌة في بداية تعريب الرٌياضيات.( مادٌة الحساب) من الفرنسيٌة إلى العربيٌة فاللٌهمٌ اجعل ما قدٌمته هذه المجموعة في ميزان حسناتهم".
انخرط المربي المرحوم عبد الرزاق بن محمد بن فرج البدوي في العمل السياسي القاعدي منذ شبابه حيث اشترك في الحزب الحر الدستوري التونسي منذ سنة 1952. كما ساهم في أطوار الكفاح التحريري وخاصة معركة 23 جانفي 1952 بطبلبة, فشارك في تنظيم المظاهرات والاضطرابات والإعداد لمعركة 23 جانفي 52 ممّا أدى إلى رفته من المدرسة الإعدادية بالمكنين إلى اشعار آخر من مدير التعليم العمومي وحوكم عليه من طرف المحكمة العسكرية بسوسة في سنة 1952 لما ارتكبه خارج المعهد من شغب.
لقد سلكت السلطات الاستعمارية منذ 18 جانفي 1952 سياسة قمعية واسعة، إذ لم تقتصر على القادة وإنما شملت سائر المناضلين والمسؤولين المحليين، وأحدثت لهذا الغرض معتقلات أو حسب البلاغ الرسمي "مراكز إقامة" وقد سماها الوطنيون بالمحتشدات، وكان يشرف عليها ضباط عسكريون تحت تصرفهم إداريون وحراس، وقد وضع فيها المعتقلون السياسيون من متظاهرين ومسؤولين دستوريين ومسيري المنظمات الوطنية، وغيرهم. ولم يشذ المربي المرحوم عبد الرزاق بن محمد بن فرج البدوي عن غيره من سياسة القمع التي سلكتها السلطات الاستعماري فأعتقل بمحتشد المحمدية في جانفي 1952 الذي يقع غربي العاصمة وهو في الأصل قصر للبايات، استعمل مركزا للإيقاف والفرز، وقد استقبل خلال سنة 1952 أكثر من ثلاثة آلاف معتقل، وكان به بصفة دائمة حوالي 500 معتقل. كان مصير المعتقلين بعد الفرز إما إطلاق سراحهم، أو توجيههم إلى مواطنهم الأصلية أو إلى محتشدات أخرى.
انخرط المربي المرحوم عبد الرزاق بن محمد البدوي في العمل الجمعياتي منذ ستينات القرن العشرين، حيث ساهم في تأسيس العديد من الجمعيات والتظاهرات الثقافية. فانضم إلى الكشافة التونسية، وبعد منح التأشيرة للكشافة من جديد للعودة لسالف نشاطها في 15 أكتوبر 1971 بعد حلّ اتحاد الشباب التونسي، فتكوّنت هيئة فوج طبلبة سنة 1972حيث أنتخب المرحوم عبد الرزاق البدوي ملازما وفي 11 جوان 1972 أصبح قائدا للفوج عوضا عن محمد بن سالم الأحمر ثم أنتخب بصفة فعلية خلال المؤتمر الثاني في 13 أكتوبر 1972 إلى أواخر سنة 1973.
كان المربي المرحوم عبد الرزاق بن محمد البدوي من ضمن هيئة تحرير المجلة التربوية الثقافية "المدرسة المفتوحة" لمؤسسها والمشرف على ادارتها ورئاسة تحريرها المرحوم محمود الشبعان وقد صدر العدد الأول منها في سبتمبر 1972 ودام صدورها ثلاث سنوات (1972-1975) وتتركب هيئة تحريرها من: محمد هميلة وعبد الله بدر الدين ومحمد الصالح كريم وعبد الرحمان المقراني وعامر إسماعيل وعلي سليمان وعبد الرزاق البدوي (المترجم له) والهادي قلالة وصلاح الدين بن حميدة ورفيق شحاتة ومحمد كمون وعبد القادر بن الحاج مبارك والبشير حمودة والطيب بوستة.
وعيّن المربي المرحوم عبد الرزاق بن محمد البدوي رئيسا للهيئة المديرة للمعرض القومي للباكورات بطبلبة وهو تظاهرة سنوية تمّ تنظيمها منذ سنة 1974، كما كان من بين المشرفين على اعداد وتحرير مجلة المعرض بمعيّة الجيلاني البدوي ومحمد دعيب ورشيد الغالي وصالح بن صالح ابراهم وعياش بن سوسية (البس).
وفي سنة 1984 شارك في تنظّيم معرضا وثائقيا يوّثق لمعركة 23 جانفي 1952 بمعيّة الطاهر عيّارة وسالم بن تقية وحسين بن عبد اللطيف وعز الدين بالغالي كان مقرّه بالطابق العلوي لنادي الحبيب الذي أقيم في مكان "سراية دار بن عياش" وكان يسمّى النادي الأهلي في بداية بنائه ثمّ أصبح يسمّى "نادي الحزب".
وأنتخب المربي المرحوم عبد الرزاق بن محمد البدوي عضوا بهيئة المجلس البلدي للمدّة النيابية 1985-1990 برئاسة محمّد العجمي الفقيه وأحمد عمار والمختار بن سالم بوشهدة والصّحبي القفصي وعبد الستّار شبيل وعلي بن أحمد جمعة مساعدين للرئيس وأعضاء كل من الصادق الجنزري والحبيب عزيز وعبد الرزاق البدوي والهادي بن عبد القادر تقية وفاطمة نويرة حرم بلال وخليفة بن سالم وعيّاش بن ريانة وهادية نويرة والصّحبي عزّاز ومنصور بالكحلة.
وأنتخب المربي المرحوم عبد الرزاق البدوي رئيسا للجنة الثقافية المحليّة بطبلبة في أواخر ثمانينات أوائل تسعينات القرن العشرين. كما كان عضوا بأسرة تحرير مجلة "مرافئ" التي أصدرتها اللّجنة الثقافية المحليّة بطبلبة في سبتمبر 2000 ولم يصدر منها إلاّ عدد واحد. وقد كانت أسرة تحريرها تتركب من السيّدات والسادة: محمد البدوي وعبد الله عيّاش وبنّور الشرفي وعبد الكريم البدوي ومحمّد دعيب ولطفي جمعة وفتحي شبيل والهاشمي حدادة وعبد الرزاق البدوي ورشيد الغالي والمهدي ابراهم وعبد الفتاح بن حمودة وثريا سوسية وعبد الفتاح عميش.
وقد عيّن المربي المرحوم عبد الرزاق بن محمد البدوي رئيسا لمهرجان الفل، وهو أوّل رئيس لهذا المهرجان في تسعينات القرن العشرين (1994). كما عيّن إماما بمسجد بودريس بعد وفاة الحبيب بن عبد القادر بن حسن شبيل ثمّ عيّن في أوائل 1998 إماما خطيبا بالجامع الكبير (العتيق).
لطفي جمعة (9 فيفري 2024)
تمت مراجعة هذه المعطيات بمعية ابنه زهير البدوي 6 جانفي 2024
الكاتب : لطفي جمعة