المناضل المرحوم محمود بن صالح بن علي الشبعان

 


ولد المناضل محمود بن صالح بن علي الشبعان في 24 جويلية 1914 بطبلبة، وتوفي بها في 5 أقريل 2002 على الساعة الثامنة صباحا. انخرط ضمن الحزب الدستوري القديم منذ شبابه وهو في سنّ السادسة عشرة بإيعاز من مؤدبه المناضل المرحوم الطاهر معرّف وكان من بين الشبيبة الدستورية للحزب الدستوري القديم منذ سنة 1932. ثمّ انضم إلى صفوف الحزب الدستوري الجديد منذ تأسيسه سنة 1934، وتحمّل عضوية الشعبة الدستورية بطبلبة سنة 1944، والتي كانت تضم الطاهر معرّف (رئيس) ومحمد بالعيارة (أمين مال) وفرج جمعة (كاتب عام) وأعضاء الحاج صالح لحمر ومحمود بن صالح الشبعان (المترجم له) وعلي بن سالم ابراهم.
يقول المناضل المرحوم الطاهر معرف في شهادته الشفوية بكتاب "لم يناموا على الذل: شهادات شفوية لعدد من المناضلين والمقاومين من تونس والقيروان والساحل" للكاتب عبد الحميد العلاني:"...بقينا نعمل سنوات نبعث الاحتجاجات، نعقد الاجتماعات...كان الناس في ذلك الوقت خائفين من فرنسا فكنّا نجتمع في السواني (البساتين حول طبلبة) وبصفتي مؤدبا كنت أدعو تلاميذي للجهاد وأقول لهم إنّ الموت هو حياة بالنسبة للمجاهدين ومنهم الوطنيون محمود الشبعان، علي ابراهم، عبد القادر النقبي. بقيت الحركة الوطنية هكذا، الناس يرفضون الانضمام إلينا خوفا من بطش الاستعمار...وفي سنة 1932 نشط الحزب قليلا، جاء الشيخ محمد كركر لطبلبة وكوّن شبيبة دستورية أذكر منهم محمود الشبعان، وفي نفس السنة دخل بورقيبة في اللجنة التنفيذية ومعه الماطري والبحري قيقة والطاهر صفر..."
بعد ان أقرّ الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري الجديد في 19 مارس 1945 إيفاد الزعيم الحبيب بورقيبة الى المشرق قصد الدعاية للقضية الوطنية وكسب الأنصار لها اتّصل الزعيم بنفسه بأهالي الساحل قصد جمع التبرعات لتمويل هذه الرحلة « فأقام بطبلبة عدّة أيام ب «سانية» صديقه الحاج محمد الهباشي، اتّصل فيها بعدد كبير من دستوريي الساحل (من المكنين وقصر هلال وصيادة وجمال وطبلبة...) الذين كانوا يتّصلون به ليلا، احترازا من عيون جنود الاحتلال يسلّموه أموالا جمعوها من المواطنين...". لقد تعوّد الحبيب بورقيبة التحوّل إلى طبلبة بصفة مستمرة ليلتقي بمناضلي الساحل ويقيم بمنزل الحاج محمد الهباشي أو محمود الشبعان ببودريس كما كان منزل هذا الأخير مفتوحا للمناضلين والمقاومين للتّخفي عن أعين جنود المستعمر. يقول المناضل المرحوم الطاهر معرف في شهادته الشفوية بكتاب "لم يناموا على الذل: شهادات شفوية لعدد من المناضلين والمقاومين من تونس والقيروان والساحل" للكاتب عبد الحميد العلاني:"...ومنذ سنة 1936 كان الرئيس يزورنا ويبقى أسبوعا أو أكثر أو أقل وله سانية (محمد الهباشي) على ذمته يسكنها ويوجهنا وكانت له آمال كبيرة في مواطني هذه المنطقة فكان يتجوّل بالساحل ثمّ يرجع ينام بطبلبة... (في سانية محمد الهباشي)...بورقيبة قبل الاستقلال يحب طبلبة كثيرا وجفاها بعد الاستقلال ولم يزرها إلاّ مرتين، لم أسأله لماذا؟...".
كان المناضل المرحوم محمود بن صالح الشبعان همزة وصل والوسيط بين المقاومين والمناضلين بقرى الساحل وكان يمدّهم بالمناشير التي تحرّض على التظاهر والتصدي للمستعمر. وكان ضمن الهيئة التي تكوّنت لإغاثة المتضررين من الاضراب العام المستمر والمظاهرات أيام 19 و20 و21 و22 جانفي 1952 احتجاجا على اعتقال الزعيم الحبيب بورقيبة وعدد من الوطنيين حيث تمّ نفيه صحبة المنجي سليم إلى طبرقة، وجمع آخر من الوطنيين إلى أقصى الجنوب التونسي. فعمّت المظاهرات الصاخبة وتوقفت الحركة الاقتصادية بطبلبة وبالمدن والقرى التونسية. يقول المناضل المرحوم عبد السلام بن الحاج صالح شبيل في مذكراته:"...وفي حدود العاشرة صباحا (من يوم 21 جانفي 1952)، انتظمت مظاهرة كبرى يزيد العدد فيها على ستة آلاف بين رجال ونساء خرجوا من النادي وطافوا بالبلدة حتّى وصلوا الى مقر السلطة المحليّة وبلّغوا احتجاجات عن طريق الشيخ حسن بن عيّاش لإعلام رؤسائهم ووجهّت احتجاجا عن طريق "البوسطة" إلى المسؤولين في الحكومة الفرنسية... وفي ذلك اليوم (22 جانفي 1952) جدّت مظاهرة أكبر من السابقة، ورئيسها الأخ البشير شبيل وسلّم احتجاجات إلى السلط المسؤولة لإبلاغها إلى العامل والمراقب المدني... وبعد المظاهرة، اجتمعت الهيئة للنظر في حالة المعوزين من جراء الاضراب المستمر. فتكوّنت هيئة لإعانة الضعيف، من الاخوان السادة: الأخ البشير شبيل، وقادر النقبي، وعلي ابراهم، والحاج عليّ لحمر، والحاج محمود الشبعان (المترجم له) وفرج بن علي جمعة، والحاج أحمد جمعة... (فانضموا) بسرعة... بالمتبرعين من أهل الخير والإحسان..."
كما كان المناضل المرحوم محمود بن صالح الشبعان ضمن الهيئة السرية الثانية للشعبة التي تكوّنت خلال الاجتماع السرّي الطارئ للشعبة الدستورية الأصلية الذي انعقد يوم 19 جانفي 1952 بمنزل المناضل المرحوم النّاصر شبيل والذي من مقرراته اختيار هيئتين أخريين لشعبتين سرّيتين تتوّلى احداها تسيير شؤون البلدة كلّما وقع التفطن إلى واحدة منها. وتتركب الشعبة السريّة الثانية من: الحاج محمود الشبعان (الممتهن الفلاحة والمترجم له) وعبد الحميد الغالي والنّاصر بالقاسم شبيل وقاسم حدادة ومحمد بن خليفة وفرج بن فضل وأحمد بن فضل.
كان المناضل المرحوم محمود بن صالح الشبعان عضوا في منظمة " اليد السوداء" أو "منظمة السود" وهي فرقة فدائية عهد إليها بتنفيذ أوامر تصفية جسدية للخونة وعملاء المستعمر، كما كُلفت بالتخلص حتّى من المعارضين للحزب الدستوري الجديد والمنشقين عنه، وقد تكوّنت من الدستوريين للردّ على " اليد الحمراء" التي تكوّنت من المعمّرين وعملائهم لتقوم بالتصفية الجسدية لبعض الوطنيين كاغتيالها للشهيد فرحات حشاد وغيره. جاء في كتاب طبلبة التقليدية والحداثة في المجتمع العربي:"... ومن أبناء طبلبة الذين انخرطوا في هذه المنظمة السريّة نجد المقاومين: حسن عمار، المختار الشبعان، قاسم حدادة، الحاج محمود الشبعان (الفلاح) (المترجم له) امحمد بن خليفة، امحمد القفصي، محمد بن عبد العزيز النابلي، العجمي بن ريانة، علي مبروك عزيز...".
كما جاء في كتاب "لم يناموا على الذل: شهادات شفوية لعدد من المناضلين والمقاومين من تونس والقيروان والساحل" للكاتب عبد الحميد العلاني:" ... لمّا ألقي القبض على عز الدين الفراتي اعترف (تحت التعذيب) بأنّه كان في طبلبة، وأنّ المسؤول الأوّل هو محمود الشبعان، هذا في آخر 1952 أو أثناءه، وقتها محافظة الشرطة بتونس وسوسة صبّت عند الفجر في طبلبة، وألقت القبض على محمود الشبعان ومختار الشبعان والعجمي بالريانة وامحمد بن خليفة وقاسم حدادة وحسن عمار... بقيت في السجن حتّى قدم "منداس فرانس"...".
وحوكم على المناضل المرحوم محمود بن صالح الشبعان بالسجن سنة 1953 وسجن بسجن تونس بتهمة إيواء جماعة "اليد السوداء" التي اغتالت رئيس جريدة النهضة الشاذلي القسطلي الذي رشح نفسه للانتخابات البلدية التي قاطعها الدستوريون، وأفرج عنه سنة 1954 بعد تعيين "بيار منداس فرانس" رئيسا للحكومة الفرنسية، وبدأ التفاوض في الاستقلال الداخلي.
هذا وقد تحصّل المناضل المرحوم محمود بن صالح الشبعان على وسام الاستقلال جزاء لجليل أعماله من أجل تحرير الوطن واسترجاع عزّته وكرامته.
لطفي جمعة (22 جانفي 2024)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع: *رمضان بن ريانة وعادل بالكحلة "طبلبة التقليدية والحداثة في المجتمع العربي" مطبعة توب للطباعة 2003 ج 5 ص 96
* عبد الحميد العلاّني، "لم يناموا على الذلّ: شهادات شفوية لعدد من المناضلين والمقاومين من تونس والقيروان والساحل "، شركة نون الرّسم والنشر والصحافة، تونس 2006 ص 259/358
*نشرية أخبار طبلبة- جانفي 2002
*تمت الاستعانة بحفيدة المترجم له منيرة شبيل بالاعتماد على messenger

الكاتب : لطفي جمعة

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال