ولد المربي المرحوم خليفة بن محمد بن علي بن خليفة المنستيري في 30 مارس 1923 بطبلبة، وتوفي بها في 8 فيفري 1985. تعلّم القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة في كتّاب القرية. ثمّ التحق بالمدرسة العربية/الفرنسية سنة 1929, وبعد نجاحه في امتحان الشهادة الابتدائية في 28 ماي 1938 التحق بجامع الزيتونة المعمور حيث أحرز على شهادة التحصيل في العلوم. وبعد مباشرته التدريس تحصّل على شهادة الكفاءة البيداغوجية.
انخرط المربي المرحوم خليفة بن محمد المنستيري في سلك التربية والتعليم، فعمل معلّما للغة العربية ببوشمة من ولاية قابس. ثمّ نقل إلى قصور الساف من ولاية المهدية.وفي سنة 1956 نقل إلى المدرسة الفرنسية/العربية بطبلبة. وفي 27 أكتوبر 1959 نقل الى مدرسة القواسم بشربان مكلفا بإدارتها. ثمّ نقل كمعلم بالمدرسة الابتدائية المختلطة بطبلبة سنة 1960. وفي سنة 1969 نقل إلى مدرسة 23 جانفي 52. وفي 2 نوفمبر 1970 نقل الى المدرسة الابتدائية شارع بورقيبة. وسافر المربي المرحوم خليفة بن محمد المنستيري إلى الجزائر في إطار التعاون الفنّي من سنة 1971 إلى سنة 1972. ورجع إلى مركز عمله القديم بالمدرسة الابتدائية شارع بورقيبة بعد عودته إلى تونس. وفي سنة 1977 نقل إلى المعهد الثانوي بطبلبة للعمل بالإدارة، وأحيل على التقاعد سنة 1982.
انخرط المربي المرحوم خليفة بن محمد المنستيري في العمل الجمعياتي منذ أربعينات القرن العشرين، حيث انضمّ إلى "الشبيبة المدرسية" التي تأسست سنة 1947 وكان رئيسا لمكتبها الى جانب حسين عمار ومحمود الغالي (أمين مال) وقاسم عيارة (حافظ مكتبة) وسالم عرفة وخليفة بن سالم والبشير الهباشي (يدعى عمر) وعبد الحميد تقية وعبد القادر بن ريانة والبشير منصور ومحمد البدوي وحسين بن سالم والبشير حدادة وإسماعيل نويرة... وقد توقفت "الشبيبة المدرسية" عن نشاطها بسبب الأمر الصادر عن السلطة الفرنسية في النصف الثاني من سنة 1953 والقاضي بإيقاف أنشطة فروعها في كامل البلاد التونسية. كما كان المربي المرحوم خليفة بن محمد المنستيري من منخرطي وأحباء جمعية البعث الثقافي التي تأسست سنة 1954.
وانتخب المربي المرحوم خليفة بن محمد المنستيري عضوا بالمجلس الإداري لتعاضدية "السعادة" للخدمات الفلاحية خلال ستينات وسبعينات القرن العشرين.
كتب الأستاذ الطاهر بوسمة بالموقع الالكتروني "الصريح أون لاين" في 27 أكتوبر 2019 عن المربي المرحوم خليفة المنستيري تحت عنوان " دردشة يكتبها الأستاذ الطاهر بوسمة: من رجال طبلبة الذين بقوا في الذاكرة المربّي خليفة المنستيري رحمه الله فقال:" ذكرني به ابنه إسكندر لما نشر صورته في ذكرى وفاته، وكان من أصدقائي المقربين ... هو المربي خليفة المستيري رحمه الله، كان يكبرني على الأقل بعقد من الزمن ... ومما بقي في خاطري طرافته وخفة ظله، جمعتني به قرابة، وأمه عليها رحمة الله ابنة عمتي التي كانت تتقن صناعة المصاغ العربي الذي كنا نكتب به ألواحنا لنحفظ منها جزءا من القرآن لدى المؤدب.
لم يكن حاجز السن يحول دون التقائنا لشرب كأس شاي أحمر معقد ونتقاسم ثمن حشيشته حسب عدد الحاضرين بالعدل بيننا لتتواصل الصحبة بدون قلق.
أتذكر أنه كان مغرما بلعب الورق وكثيرا ما يخسر ويدفع ثمن المشروب للجماعة بروح رياضية عالية خلافا لغيره.
كنا نقضي عادة عطلة الصيف معا مع مجموعة من المعلمين خاصة ونجلس على حصير أمام محل لتجارة العطرية ويشاركنا صاحبه في جلستنا أمامه ونتبادل الحديث بيننا وكان لا يبخل علينا بطرفة من طرفه الغني بها لكثرة مغامراته وتنقلاته وسفراته.
أتذكر أنه كان مثقفا ومطلعا وتكوينه العلمي راسخا إذ درس بالزيتونة في أيامها وأتقن علومها من نحو وصرف وبلاغة وبذلك اشتهر بالبراعة وحفظ متونها والجواب عن أغلب الأسئلة.
كما أتذكر أنه كان مؤمنا متفتحا يفسر الدين حسب فهمه، سخي مع غيره ولا يتحدث بذلك ولكنني أعرف عنه الكثير من ذلك، إذ كان يكفل الصغار الموكول له رعايتهم القادمين من أرياف الجهة وبالخصوص السواسي وشربان متعهدا بأكلهم وملبسهم على وجه الفضل ولا يتحدث بذلك عنهم لأحد، ويمكن لبعض المتخرجين من تلكم الأرياف لو تيسر لهم الاطلاع على ما أكتب عنه سيتذكرونه ويترحمون على روحه.
كان معلما باللغة العربية بارزا لسنوات عدة بقابس والجزائر وطبلبة خاصة وتخرج على يديه نخب ما زالوا يذكرونه حتى من خارجها وكان المرحوم الهادي بوشماوي رجل المال والأعمال المشهور (والد وداد بوشماوي رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سابقا 2011-2018)، دائما يسألني عنه ويذكر لي سمعته التي بقيت ببوشمة بقابس أيام عمله بها معلما.
ومن الطرائف التي بقيت عالقة بذاكرتي أنه كان يملك سيارة خاصة وكان ذلك نادرا بقريتنا ولم يكن يمنعها عن أحد يحتاجها بشرط دفع ثمن الوقود الذي تستهلكه على نفقته...
وأعود للمترجم له لأذكر بما عرفته عنه من حب للفن ومواظبة على الاستماع إلى أصوله من صالح عبد الحي وكوكب الشرق أم كلثوم وكان يحب الاستماع إلى مقرئي القرآن المصريين أبو العينين شعيشع وطه الفشني خاصة وأظنه أطلق اسمه على ابن من أبنائه.
تظنه متناقضًا عندما تسمعه يتحدث عن قضايا عدّة في العلم والتاريخ والسياسة ولكنّه كان فيلسوفًا في حياته لا يهتم كثيرا بملبسه، سخي مع غيره مقتر على نفسه وربما على عائلته.
يميل في بعض الأحيان للسخرية ولكنّه يحب من يحترمه، ويتجاهل من يستعلي عليه ادعاء وتكبرا، فيظهر لهم نواقصهم لأنه كان أكثر منهم تمكنا علما ومعرفة".
لطفي جمعة (14 ديسمبر 2023)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمّت مراجعة هذه الترجمة بمساعدة ابنه الطاهر المنستيري بتاريخ 14 ديسمبر 2023
الكاتب : لطفي جمعة