السيّد الطاهر بن محمد بن سالم عيّارة

 


ولد الطاهر بن محمد عيارة في 2 نوفمبر 1935 بطبلبة. أبوه المناضل محمد بن سالم بالعيارة المولود في 3 أوت 1903 والمتوفي في6 ماي 1979. وهو من الأعضاء المكوّنين لأوّل شعبة دستورية للحزب الدستوري القديم بطبلبة سنة 1922 ومن الأعضاء المكونين لأول شعبة دستورية للحزب الدستوري الجديد سنة 1934، وتحمل مسؤولية أمين مال من سنة 1934 إلى سنة 1954 وعيّن بعد الاستقلال عضوا بمحكمة المهديّة كحاكم شعبي حتّى الستينات.
حفظ الطاهر بن محمد عيّارة القرآن الكريم وتعلّمه بكتاب "سيدي عياش"، ثمّ التحق ب"المكتب" المدرسة العربية/الفرنسية بطبلبة، ثمّ انتقل إلى المدرسة الابتدائية للذكور بساحة معقل الزعيم (تسمى رحبة الغنم قبل الاستقلال أحدثت المدرسة سنة 1912). ومنها نجح في مناظرة الدخول إلى التعليم الثانوي وفي مناظرة الالتحاق بالمعهد الصادقي. وفي سنة 1948 التحق بالمعهد الصادقي وقضّى فيه 4 سنوات ونصف، ثم رفت منه على إثر أحداث 18 جانفي 1952، وبعد رجوعه إلى المعهد الصادقي رفت مرّة أخرى من كافة معاهد الإيالة التونسية في أفريل سنة 1952 لما ارتكبه خارج المعهد من شغب وقد بلغ مستوى السنة السادسة. واصل الطاهر بن محمد عيارة دراسته بالمراسلة بالمدرسة الدولية الخاصة بباريس (أحدثت سنة 1907) L’École Universelle de Paris، تحصل منها على شهادة الكفاءة للتعليم الابتدائيBrevet de capacité pour l’enseignement primaire سنة 1954.
انخرط الطاهر بن محمد عيّارة في مرحلة أولى في سلك التربية والتعليم، فعيّن معلّما بالمدرسة الابتدائية في غمراسن من ولاية تطاوين إلى سنة 1956، ثمّ نقل بمثل خطّته من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي إلى المدرسة الابتدائية بالجريصة من ولاية الكاف بقي فيها مدّة سنتين. وقد ساهم وهو يعمل بالجريصة في تكوين فوج للكشافة التونسية بالكاف. وفي أواخر سنة 1958 التحق بسلك الحرس الوطني فتمّ انتدابه برتبة عريف بالحرس الوطني بعد تربّص بالكاف، وتمّ تعيينه في باجة، ثمّ نقل بمثل خطّته إلى بنزرت إلى سنة 1960. ثمّ نقل إلى سيدي داود بخطّة رئيس مركز للحرس الوطني لمدّة سنة، وفي أواخر سنة 1961 نقل إلى التفقدية المركزية لمصالح وزارة الداخلية مسؤول على مكتب تكوين المترشحين إلى سلك الحرس الوطني، ثمّ عيّن رئيسا لمصلحة الدراسات في وزارة الداخلية، ثمّ رئيسا لمصلحة التراتيب إلى أواخر سنة 1977 سنة إحالته على التقاعد الوجوبي.
انخرط الطاهر بن محمد عيارة في العمل السياسي القاعدي منذ شبابه حيث اشترك في الحزب الحر الدستوري التونسي منذ سنة 1952. كما ساهم في جميع أطوار الكفاح التحريري وخاصة معركة 23 جانفي 1952 بطبلبة, فشارك في تنظيم المظاهرات والاضطرابات والإعداد لمعركة 23 جانفي 52 ممّا أدى إلى رفته من المعهد الصادقي في مرّة أولى ومن كافة معاهد الإيالة التونسية في مرّة ثانية في أفريل سنة 1952 لما ارتكبه خارج المعهد من شغب.
لقد سلكت السلطات الاستعمارية منذ 18 جانفي 1952 سياسة قمعية واسعة، إذ لم تقتصر على القادة وإنما شملت سائر المناضلين والمسؤولين المحليين، وأحدثت لهذا الغرض معتقلات أو حسب البلاغ الرسمي "مراكز إقامة" وقد سماها الوطنيون بالمحتشدات، وكان يشرف عليها ضباط عسكريون تحت تصرفهم إداريون وحراس، وقد وضع فيها المعتقلون السياسيون من متظاهرين ومسؤولين دستوريين ومسيري المنظمات الوطنية، وغيرهم. ولم يشذ الطاهر بن محمد عيارة عن غيره من سياسة القمع التي سلكتها السلطات الاستعماري فأعتقل بمحتشد المحمدية في جانفي 1952 الذي يقع غربي العاصمة وهو في الأصل قصر للبايات، استعمل مركزا للإيقاف والفرز، وقد استقبل خلال سنة 1952 أكثر من ثلاثة آلاف معتقل، وكان به بصفة دائمة حوالي 500 معتقل. كان مصير المعتقلين بعد الفرز إما إطلاق سراحهم، أو توجيههم إلى مواطنهم الأصلية أو إلى محتشدات أخرى.
وبعد الاستقلال وعلى بعد رجوعه إلى طبلبة مسقط رأسه أنتخب عضوا بشعبة طبلبة الدستورية ثمّ عيّن رئيسا للشعبة خلفا لشعبان نويرة سنة 1984.
انخرط الطاهر بن محمد عيارة في العمل الجمعياتي منذ خمسينات القرن العشرين فكان من بين أعضاء جمعية البعث الثقافي التي تأسست سنة 1954 منهم: محسن تقية والطاهر عيّارة (المترجم له) حسين شبيل، حسين نويرة، البشير (يدعى عمر) الهباشي، خليفة بن سالم، عبد القادر بن ريانة، المختار بن ريانة والشاذلي بالكحلة وغيرهم كثير... وقد ساهم بقسط من الكتب لمكتبة الجمعية التي ضمّت بين رفوفها وقتها ما يزيد عن خمسمائة كتاب ما بين اللغتين العربية والفرنسية ألحقت بعد حلّ الجمعية سنة 1965 بالمكتبة العمومية.
وفي سنة 1984 نظّم معرضا وثائقيا يوّثق لمعركة 23 جانفي 1952 بمعيّة سالم تقية وعبد الرزاق البدوي وحسين بن عبد اللطيف وعز الدين بالغالي كان مقرّه بالطابق العلوي لنادي الحبيب الذي أقيم في مكان "سراية دار بن عياش" وكان يسمّى النادي الأهلي في بداية بنائه ثمّ أصبح يسمّى "نادي الحزب".
وفي سنة 2002 بمناسبة مرور خمسين سنة على أحداث 23 جانفي 52 أعدّ السيّد الطاهر بن محمد عيّارة بمعيّة المرحوم الجيلاني البدوي ولطفي جمعة ومحمّد عبد الفتاح والدكتور المختار بوشهدة... للمرةّ الثانية معرضا وثائقيا يوّثق لمعركة 23 جانفي 1952 وقاموا بجمع الوثائق الخاصة بهذه المعركة وصور فتوغرافية للمناضلين من مؤسسات تونسية وأجنبية وأفراد وإحداث نواة لمعرض وثائقي يوثّق للمعركة.
يقول الدكتور المختار بوشهدة:" كنت احد أفراد المجموعة التي قامت بتجميع وثائق وصور معركة 23 جانفي بقيادة صديقنا الطاهر عيارة وقد كنا نسهر بالنادي إلى ساعة متأخرة من الليل وكنت أنا والمرحوم الجيلاني عضوين بالنادي واذكرك أيضا اني كنت اتصل ببعض المواطنين الذين كنا نعتقد في امتلاكهم وثائق عن تاريخ طبلبة (وقد أعددنا قائمة في أسمائهم) ثم كنا نقوم بنسخ وتصوير الوثائق قبل ارجاعها إلى اصحابها وفي آخر مرحلة قامت البلدية بإعداد قرص مضغوط CD وسلمناه إلى رئيس البلدية... كما كنت ولمدة سنوات أقوم بتقديم محتوى المعرض للمشرفين على احياء ذكرى 23 جانفي 52 من أعضاء الحكومة".
ويقول الصحفي سعيد نويرة في هذا الشأن بمقال نشر بركن "غمزة بدون همزة" بجريدة " أخبار الجمهورية" سنة 2002 " ... ويبدو هذه السنة أنّ هناك بوادر إيجابية رأيت من الواجب التنويه بها ربّما لأنّ هذه الذكرى توافق الذكرى الخمسين... ما علينا نستفيق بعد نصف قرن خير من ألاّ نستفيق أبدا. وإنّي لأنوّه بالجهود التي بذلت من قبل أفراد متطوّعين لجمع الوثائق من مؤسسات تونسية وأجنبية مستعينين في أغلب الأحيان بإمكاناتهم الخاصة وقد تكون هذه أوّل بداية جادة لكتابة التاريخ الموضوعي المشرق لمدينة مناضلة تنتمي إلى هذا الوطن الحبيب علما بأنّ الذي لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له وما التاريخ سوى الخيط الرّفيع الذي يربط بين الأجيال والضامن للتواصل والتطوّر في كلّ مجتمع متحضر...وبالمناسبة أوّجه تحيّة لكلّ الذين ساهموا في هذا العمل التوثيقي وأخصّ بالذكر الصديق الطاهر عيّارة والزميل الجيلاني البدوي والأستاذين محمّد عبد الفتاح ولطفي جمعة".
كتب الطاهر بن محمد عيارة حول تعليم السياقة وفي الثقافة والسلامة المرورية والوقاية من حوادث الطرقات فأصدر كتبا فردية وأخرى بالاشتراك على غرار كتاب " كيف تتفادى حوادث الطرقات" وكتاب مترجم بعنوان "احذر" بمعية عامر قريعة وكامل لحمادي وكتاب "السياقة في متناولك" سنة 1975 الطبعة الأولى وأعيد طبعه عديد المرات أخرها سنة 2002 عن دار شوقي-ريانة يتضمن 229 صفحة بالألوان، وله كتب في انتظار النشر ككتاب" سلامتي" للمترجلين وكتاب "سلامتي" لسائقي الدرّجات بمعية المرحوم سالم تقية.
وقد تحصّل الطاهر بن محمد عيّارة على الوسام التذكاري لمعركة الجلاء عن بنزرت كمكافأة على مشاركته الفعلية في معركة الجلاء عن بنزرت، بمقتضى أمر 453 لسنة 1966 مؤرخ في 15 نوفمبر 1966.
لطفي جمعة (14 نوفمبر 2023)
*مقابلة مع المترجم له السيّد الطاهر بن محمد عيارة بتاريخ 10 نوفمبر 2023
*كتاب التقليدية والحداثة في المجتمع العربي-للأستاذين رمضان بن ريانة وعادل بالكحلة –الجزء4 و5
الكاتب : لطفي جمعة

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال