ولد المرحوم المربي والباحث المختار بن أحمد ناصف في 15 أكتوبر 1926 بطبلبة وتوفي في 28 فيفري 2000. بدأ التعليم بمسقط رأسه ودخل الكتّاب وتعلم القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية ثم دخل المدرسة الابتدائية العربية الفرنسية (المكتب) بطبلبة خلال السنة الدراسية 1931-1932 إلى أن أحرز على الشهادة الابتدائية سنة 1942. ثمّ نجح في امتحان الدخول الى المعهد الفنّي بسوسة إلاّ أنّه لم يلتحق بالمعهد الفنّي رغم نجاحه نظرا لظروف الحرب العالمية الثانية (1سبتمبر1939/ 2 سبتمبر 1945) التي غيّرت مجرى الأحداث. وبعد الحرب واصل تعليمه الثانوي بالجامع الأعظم بالعاصمة جامع الزيتونة المعمور وبمعهد ابن خلدون (جامعة 9 أفريل حاليا) بالشعبة العصرية وأحرز على شهادة التحصيل العصرية في العلوم سنة 1952 (تضاهي شهادة الباكالويا حاليا).
اشتغل المرحوم المختار بن أحمد ناصف بالتعليم الابتدائي منذ 1953 لمّا نجح في مناظرة المعلّمين، وباشر مهنة التدريس بالمدارس الابتدائية بصفة معلّم عربية. ثم تحوّل رسميا بداية من السنة الدراسية 1969-1970 إلى المعاهد الثانوية لتدريس التاريخ وارتقى إلى رتبة أستاذ تعليم ثانوي وبقي في عمله إلى سنة 1976. ثمّ كلّف بمهمة إدارية بالمعهد الثانوي للذكور بسوسة. وفي جانفي 1979 أحرز على التقاعد الوجوبي.
وقد جمع المرحوم المختار بن أحمد ناصف خلال كلّ هذه المدة بين عمله في التعليم وعدة نشاطات ثقافية، حيث كان يعتني بدراسة كتب التاريخ مما كوّن لديه زادا معرفيا متميزا وجهدا توثيقيا أهّله للتأليف فيما بعد والقاء المحاضرات كالمحاضرة التي ألقاها في شهر أكتوبر 1979 حول طبلبة.
ولما أحيل على التقاعد المبكّر ابتداء من جانفي 1979 انصرف إلى التّأليف، وقام بتجميع الجذاذات التي كان يكتبها أثناء نشاطاته الفكرية والتأريخية والنوثيقية وأثراها بالرجوع إلى المصادر والمراجع وألّف كتاب" أضواء حول تاريخ طبلبة" الذي صدر في شهر ديسمبر 1979 بشركة فنون الرّسم والنشر والصحافة بتونس. وهو أوّل كتاب يتناول تاريخ طبلبة بالدّرس والبحث ويعطي لمحة وجيزة عن تاريخ طبلبة وعن تطوّر التعليم والحركة الوطنية بها. كما نجد فيه معلومات هامة حول صيد السّمك وإنتاج الباكورات بهذه البلدة وبيانات مفصّلة عن جزيرة قورية. يقول المرحوم المختار بن أحمد ناصف في مقدمة كتابه:" كثيرا ما سئلت عن طبلبة وعن تاريخها أثناء جلسات خاصة مع بعض الأصدقاء، وتكاد لا تمر مناسبة إلاّ ونتجاذب أطراف الحديث حول هذه الرقعة الصغيرة من الساحل التونسي وما اعتراها من وقائع ومظالم في العهود الماضية. ولم أكن أتوقع أن أكتب عنها شيئا وذلك لانعدام المصادر وامساك المؤرخين عن ذكرها، فهو لعمري موضوع صعب يتعذر على المرء التحدث عنه والبحث فيه. ولعله من حسن الصدف أن كلّفت ذات مرّة بتدريس التاريخ حسب برامج التعليم الثانوي الطويل والمهني. فاضطررت للبحث عن المراجع العربية منها والفرنسية لأستعين بها أثناء عملي حتّى عثرت لأوّل مرّة على ذكر بلدة طبلبة في بعض وثائق تاريخية يرجع عهدها إلى سنة 1864. ومن ذلك الوقت خامرتني فكرة الكتابة عنها وعن أطوارها. فاندفعت بشغف في كلّ ما تقع عليه يداي من كتب ومجلات تاريخية جاعلا أساس عملي التفتيش عن الأماكن الأثرية بالبلدة وإن كانت قليلة متفحصا الحجارة القديمة التي أعثر عليها بمحض الصدفة في بقايا المساكن القديمة، واعتمدت بالخصوص على روايات بعض المسنين من شيوخنا الذين بلغوا من الكبر عنيا. فأجالسهم وأتركهم يتحدثون عن الماضي البعيد محترما معارفهم معتبرا ما تكون لديهم من رصيد خلال حياتهم الطويلة في التجارب والمعلومات الشفوية والمشاهدات المتكررة. فوجدت في ذلك نبذة متواضعة استعنت بها بعدما غربلتها وصفيتها بمصفاة العقل والمنطق. لأنّ البلدة كما لا يخفي كانت صغيرة ولم يتحدث عنها المؤرخون ولا الرحالون. ومن الغريب أنّ الرحالة عبد الله التيجاني مرّ بهذا المكان في طريق عودته إلى العاصمة خلال سنة 1308 م ولم يذكر عن طبلبة شيئا. أمّا المؤرخ الشهير المرحوم حسن حسني عبد الوهاب فقد ذكرها عرضا في حديث له عن مدينة المهدية في الجزء الثالث من كتابه "ورقات" ص 358 حيث قال:" يفارق المسافر عاصمة تونس قاصدا المهدية فيمر طبعا بأغلب قرى الساحل إلى أن يصل طبلبة حيث ضريح الشيخ عبد العزيز بن عياش المربي الصوفي الكبير" والحال أنّه تحدّث عن بعض القرى الأخرى المجاورة مثل لمطة وخنيس وبنان وغيرها. مع الملاحظ أنّه يعرف المنطقة جيّدا لأنّه عاش وترعرع في المهدية عندما كان والده صالح عبد الوهاب عاملا بها في أواخر القرن التاسع عشر، ثمّ في ديسمبر من سنة 1928 عيّن هو نفسه عاملا بالمهدية إلى سنة 1935، وعلى الرغم من ذلك لم يذكر شيئا عن تاريخ طبلبة. والغالب على الظنّ أنّه لم يجد مراجع ولا مخطوطات في ذلك. وعلى كل فقد قمت بهذه المحاولة وغايتي في ذلك تسليط بعض الأضواء على تاريخ البلدة والتعريف بها من خلال مجموعة وثائق ومعلومات كتابية وشفوية تمكنت من التحصيل عليها ورأيت من المفيد ذكرها عساها تفتح الطريق أمام المتعطشين من الشبان لمزيد البحث والتعمّق. ولربما بهذه البادرة أكون المشجّع على انبعاث الحماس في اخوان أكفاء يتولون كتابة تاريخ البلدة بطريقة أوسع وأشمل".
لطفي جمعة (12 ماي 2021)